سورة الروم - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


قوله عز وجل: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} سبب نزول هذه الآية على ما ذكره المفسرون أنه كان بين فارس والروم قتال وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن فارساً كانوا مجوساً أميين والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث كسرى جيشاً إلى الروم واستعمل عليهم رجلاً يقال له شهرمان وبعث قيصر رجالاً وجيشاً وأمر عليهم رجلاً يدعى بخين فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي آدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وفارس أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم فإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله هذه الآيات فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة فقال: فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فوالله ليظهرن الروم على الفرس. أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال إليه أبي بن خلف الجمحي فقال كذبت: فقال أنت أكذب يا عدو الله فقال: اجعل بيننا أجلاً أناحبك عليه والمناحبة بالحاء المهملة القمار والمراهنة أراهنك على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإذا ظهرت فارس على الروم غرمت وإذا ظهرت الروم على فارس غرمت ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قبل تحريم القمار. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر ومادده في الأجل فخرج أبو بكر فلقي أبيّاً فقال لعلك ندمت فقال لا فتعال أزايدك في الخطر وأماددك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين فقال قد فعلت فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه ولزمه وقال: إني أخالف أن تخرج من مكة فأقم لي ضماناً كفيلاً فكفله ابنه عبد الله بن أبي بكر فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه وقال والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلاً فأعطاه كفيلاً ثم خرج إلى أحد قال: ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة ومات بها من جراحته التي جرحه النبيّ صلى الله عليه وسلم حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية وذلك على رأس سبع سنين ومن مناحبتهم وقيل كان يوم بدر وربطت الروم خيولهم بالمدائن وبنوا بالعراق مدينة وسموها رومية فقمر أبو بكر أبيّاً وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يحرم القمار فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم تصدق به» كان سبب غلبة الروم فارساً على ما قال عكرمة وغيره: أن شهرمان لما غلب الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج فبينا أخوه فرحان جالس ذات يوم قال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهرمان إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس أخيك فرحان فكتب إليه أيها الملك إنك لم تجد مثل فرحان إن له لنكاية وصولة في العدو، فلا تفعل فكتب إليه إن في رجال فارس خلفاً عنه فعجل إليَّ برأسه فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه وبعث بريداً إلى أهل فارس إني قد عزلت عنكم شهرمان واستعملت عليكم فرحان ثم بعث مع البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهرمان. وقال إذا ولي فرحان الملك وانقاد له أخوه فأعطه الصحيفة، فلما وصل البريد إلى شهرمان عرض عليه كتاب كسرى فلما قرأه قال: سمعاً وطاعة ونزل عن سرير الملك وأجلس عليه أخاه فرحان فدفع البريد الصحيفة إلى فرحان فلما قرأها: استدعى بأخيه شهرمان وقدمه ليضرب عنقه فقال له لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال نعم فدعا بسفط ففتحه وأعطاه ثلاث صحائف منه وقال كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت تريد قتلي بكتاب واحد فرد فرحان الملك إلى أخيه شهرمان فكتب إلى قيصر ملك الروم؛ أما بعد إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ولا تبلغها الصحف فالقني في خمسين رومياً حتى ألقاك في خمسين فارسياً فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق مخافة أن يريد أن يمكر به حتى أتاه عيونه فأخبروا أنه ليس معه إلا خمسون فارسياً، فلما التقيا ضرب لهما فيها ديباج فدخلاها ومع كل واحد سكين ودعوا بترجمان يترجم بينهما فقال شهرمان: إن الذي خرب بلادك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا وإن كسرى حسدنا وأراد أن يقتل أخي فأبيت عليه ثم أمر أخي بقتلي فأبى عليه، وقد خلعناه جميعاً ونحن نقاتله معك فقال: قد أصبتما وأشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوزهما فشا. فقتلا الترجمان معاً بسكينيهما فأديلت الروم على فارس عند ذلك وغلبوهم وقتلوهم ومات كسرى جاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح ومن كان معه من المسلمين بذلك فذلك قوله عز وجل: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} يعني أقرب أرض الشام إلى فارس وقيل هي أذرعات وقيل الأردن وقيل الجزيرة {وهم من بعد غلبهم} أي فارس لهم {سيغلبون} أي الروم لفارس.


{في بضع سنين} البضع ما بين الثلاث إلى السبع وقيل إلى التسع وقيل ما دون العشر {لله الأمر من قبل ومن بعد} أي من قبل دولة الروم على فارس ومن بعدها فمن غلب فهو بأمر الله تعالى وقضائه وقدره {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} أي الروم على فارس وقيل فرح النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر وفرحوا بظهور أهل الكتاب على أهل الشرك {بنصر من يشاء} أي بيده النصر ينصر من يشاء {وهو العزيز} الغالب {الرحيم} أي بالمؤمنين قوله تعالى: {وعد الله} أي وعد الله وعداً بظهور الروم على فارس {لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أي أن الله لا يخلف وعده؛ ثم قال تعالى: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} يعني معاشهم كيف يكسبون ويتجرون ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون وقال الحسن إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه لا يخطئ وهو لا يحسن يصلي. وقيل: لا يعلمون الدنيا بحقيقتها إنما يعلمون ظاهرها وهو ملاذها وملاعبها ولا يعلمون باطنها وهو مضارها ومتاعبها. وقيل يعلمون وجودها الظاهر ولا يعلمون فناءها {وهم عن الآخرة هم غافلون} أي ساهون عنها لا يتفكرون فيها ولا يعلمون بها.


قوله عز وجل: {أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} يعني لإقامة الحق {وأجل مسمى} أي لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت وهو يوم القيامة {وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون أولم يسيروا في الأرض} أي يسافروا فيها {فينظرو كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} أي ينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا {كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض} أي حرثوها وقلبوها للزراعة {وعمروها} يعني الأمم الخالية {أكثر مما عمروها} يعني أهل مكة {وجاءتهم رسلهم بالبينات} أي فلم يؤمنوا فأهلكهم الله {فما كان الله ليظلمهم} أي بنقص حقوقهم {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي ببخس حقوقهم {ثم كان عاقبة الذين أساءوا} أي أساءوا العمل فاستحقوا {السوأى} يعني الخلة التي تسوءهم وهي النار وقيل السوء اسم لجهنم، ومعنى الآية أن عاقبة الذين عملوا السوء النار {أن كذبوا} أي لأنهم كذبوا وقيل معنى الآية ثم كان عاقبة المسيئين أن حملتهم تلك السيئات على أن كذبوا {بآيات الله وكانوا بها يستهزئون} قوله تعالى: {الله يبدأ الخلق ثم يعيده} أي خلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء {ثم إليه يرجعون} أي فيجزيهم بأعمالهم {ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون} قيل: معناه أنهم ييأسون من كل خير وقيل: ينقطع كلامهم وحججهم وقيل يفتضحون {ولم يكن لهم من شركائهم} يعني أصنامهم التي عبد وها {شفعاء} أي يشفون لهم {وكانوا بشركائهم كافرين} أي جاحدين متبرئين يتبرؤون منها وتتبرأ منهم {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون} أي يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقيل يتفرقون بعد الحساب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار فلا يجتمعون أبداً فهو قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة} أي في جنة وقيل الروضة البستان الذي هو في غاية النضارة {يحبرون} قال ابن عباس يكرمون وقيل يتنعمون ويسرون والحبرة السرور. وقيل في معنى يحبرون: هو السماع في الجنة. قال الأوزاعي: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم وقال: إذا أخذ السماع فلا يبقى في الجنة شجرة إلا وردته، وسأل أبا هريرة رجل: هل لأهل الجنة من سماع؟ فقال: نعم شجرة أصلها من ذهب وأغصانها من فضة وثمارها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت يبعث الله ريحاً فيجاوب بعضها بعضاً فما يسمع أحد أحسن منه {وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة} أي البعث يوم القيامة {فأولئك في العذاب محضرون} قوله تعالى: {فسبحان الله} أي فسبحوا الله ومعناه صلوا لله {حين تمسون} أي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء {وحين تصبحون} أي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح {وله الحمد في السموات والأرض} قال ابن عباس يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له {وعشيّاً} أي وصلوا لله عشيّاً يعني صلاة العصر {وحين تظهرون} أي تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر.
قال نافع ابن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال: جمعتا الصلوات الخمس ومواقيتها. واعلم أنه خص هذه الأوقات بالتسبيح لأن أفضل الأعمال أدومها والإنسان لا يقدر أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لأنه محتاج إلى ما يعيشه من مأكول ومشروب وغير ذلك فخفف الله عنه العبادة في غالب الأوقات وأمره بها في أول النهار وفي أول الليل وآخره فإذا صلى العبد ركعتي الفجر فكأنما سبح قدر ساعتين وكذلك باقي الركعات وهي سبع عشرة ركعة مع ركعتي الفجر فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس في أوقاتها فكأنما سبح الله سبع عشرة ساعة من الليل والنهار بقي عليه سبع ساعات في جميع الليل والنهار وهي مقدار النوم والنائم مرفوع عنه القلم فيكون قد صرف جميع أوقاته في التسبيح والعبادة.

فصل في فضل التسبيح:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زيد عليه» أخرجهما الترمذي وقال فيهما حسن صحيح.
(ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» وهذا الحديث أخرجه في صحيح البخاري.
(م) عن جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها وهي في مسجدها فرجع بعدما تعالى النهار فقال مازلت في مجلسك هذا مذ خرجت بعد؟ قالت نعم فقال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرار لو وزنت بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته».
(م) عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكتسب كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه قال كيف يكتسب ألف حسنة؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة فيكتف له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة» وفي رواية غير مسلم «يحط عنه أربعين ألفاً».

1 | 2 | 3